تُعد قبيلة السعيد واحدة من أعرق وأشهر القبائل في تاريخ المنطقة، وقد كان لها دور بارز في تشكيل العديد من جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية في موطنها الأصلي، فريحة السعيد. لم تكن هذه القبيلة مجرد وجود سكني في المنطقة؛ بل كانت ولا تزال صاحبة بصمة عميقة في مختلف مجالات الحياة اليومية: من العادات والتقاليد إلى العمران، ومن العلاقات الاجتماعية إلى أساليب المعيشة.
⸻
أولًا: بداية الاستقرار
منذ العصور الماضية، اختارت قبيلة السعيد الاستقرار في فريحة السعيد ، وهي منطقة تتميز بموقعها الجغرافي الذي ساعد على استقرارهم وتوسعهم عبر الزمن. ومع مرور الوقت، أصبحت فريحة السعيد مركزًا للحياة القبلية، ومكانًا يلتقي فيه الناس في مناسباتهم المختلفة، مثل الأسواق والمجالس. وقد كانت المنطقة محورية في تشكيل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين القبيلة وجيرانها.
⸻
ثانيًا: الإرث الثقافي والاجتماعي
• العادات والتقاليد:
اشتهرت قبيلة السعيد بالكرم وحسن الضيافة، إضافة إلى قدرة أفرادها على حل النزاعات والمشكلات بطريقة تعكس الحكم العرفي والاحترام المتبادل، وهي سمات جعلت لها مكانة خاصة في قلوب القبائل الأخرى.
• الشعر والأدب الشعبي:
كان أفراد السعيد يهتمون بالشعر النبطي، الذي مثّل أداة توثيقية هامة بالنسبة لهم. استخدموه لتوثيق الأحداث التاريخية، والتفاخر بماضيهم العريق، والحفاظ على القصص التي انتقلت من جيل إلى جيل. وكان الشعر جزءًا لا يتجزأ من حياة القبيلة، وتوارثوه كأحد أهم وسائل التعبير عن هويتهم الثقافية.
• المكانة الاجتماعية:
لعبت قبيلة السعيد دورًا محوريًا في تنظيم شؤون المنطقة من خلال مجالس الشيوخ وأعرافهم، التي أسهمت في تسوية النزاعات بين الأفراد والعائلات، وكان لذلك أثر بالغ في تعزيز الاستقرار الاجتماعي.
⸻
ثالثًا: ملامح من الماضي
إذا تجولت في فريحة السعيد اليوم، فستجد آثارًا ملموسة تدل على الوجود العميق للقبيلة في المنطقة:
• البيوت الطينية التي لا تزال تحافظ على طابعها التقليدي، وتشير إلى البساطة والتأقلم مع البيئة المحلية.
• الأسوار والبوابات التي كانت تحمي البيوت، وتوضح التنظيم الاجتماعي بين السكان.
• الآبار القديمة التي حفرت بجهود كبيرة، وتعكس قدرة القبيلة على التكيف مع الظروف البيئية الصعبة.
⸻
رابعًا: النشاط الاقتصادي
لم تقتصر حياة قبيلة السعيد على الجوانب الاجتماعية والقبلية فقط، بل كان لها دور مهم في الاقتصاد المحلي أيضًا:
• كانت لهم حركة تجارية موسمية مع القبائل المجاورة، مما جعل فريحة السعيد مركزًا تجاريًا نشطًا يربط بين مختلف الجماعات القبلية.
⸻
خامسًا: جليعات ابن سعيد : ملجأ للناس والعوائل، وحصن للزبارة
تُعد جليعات ابن سعيد من أبرز وأروع المعالم التاريخية في منطقة الزبارة، إذ كانت تمثل ملاذًا آمنًا لكل من لجأ إليها من الأهالي والعائلات، بغض النظر عن قبيلتهم أو أصلهم.
في أوقات الاضطرابات والصراعات، كانت جليعات ابن سعيد حصنًا يوفر الأمان والحماية للمقيمين والزوار، وتشكل درعًا واقيًا من التهديدات والهجمات.
لكنها لم تكن مجرد حصن دفاعي، بل كانت أيضًا مكانًا حيويًا يجمع الأهالي والمقيمين في الزبارة لتبادل الآراء، مناقشة القضايا الاجتماعية، والبحث عن حلول للمشكلات. كانت نقطة التقاء للوحدة والتضامن بين سكان المنطقة في أوقات الشدائد.
وقد اشتهر المكان بحماية النساء والأطفال، وكان معروفًا عن القائمين على جليعات ابن سعيد استجابتهم السريعة لكل من احتاج إلى الحماية، مما جعلها منبعًا للأمن والسلام في المنطقة. يُشار إليهم أيضًا بلقب “مزبنين الدخيل”، وهو تعبير يعكس أهمية المكان كملاذ آمن للجميع، دون النظر إلى الانتماءات القبلية أو الاجتماعية.
وقد لعب الشيخ عبدالكريم بن الشيخ مبارك بن محمد بن مبارك السعيدي، شيخ قبيلة السعيدي ، دورًا كبيرًا في الحفاظ على الأمن في المنطقة. وكان معروفًا بحكمته وقيادته الفذّة، التي أسهمت في توفير الحماية للأهالي، مما يجعل دوره محوريًا في تاريخ الزبارة خلال تلك الحقبة.
⸻
خاتمة: حكاية ما زالت حيّة
تاريخ قبيلة آل سعيد في فريحة السعيد ليس مجرد حكاية من الماضي، بل هو إرث حيّ ومتجدّد يعكس قوة القبيلة في الحفاظ على هويتها وكرامتها على مر العصور.
واليوم، يواصل الشيخ جاسم السعيدي، شيخ قبيلة السعيد ، والمعرّف الرسمي لها، وعميدها، إحياء الدور الاجتماعي والتاريخي للقبيلة، ممثلًا بيت المشيخة وقيادتها. ويُعرف الشيخ جاسم بحرصه على المحافظة على إرث القبيلة، وتقوية أواصرها، وتعزيز حضورها الاجتماعي والثقافي في مختلف المحافل.
وما زال أبناء قبيلة السعيد يعتزون بتاريخهم العريق، ويواصلون ممارسة هذه التقاليد في حياتهم اليومية، مما يعكس صمودهم في وجه التحديات، وقدرتهم على التكيّف مع تغيرات الزمن، ووقوفهم الدائم خلف القيادة الحكيمة، دعمًا لمسيرة التنمية والوحدة الوطنية، وإيمانًا منهم بأن قوة الوطن في تلاحم أبنائه وولائهم لقيادتهم